كفاية عولمة جتتي اتهرت

أسوأ شئ عمله صلاح السعدني في حياته، كرينج فوق الوصف.

في بودكاست "يد خفية" الحلقة الأولى من الموسم الثالث  يناقش أسامة دياب أثر المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الداعمة للصهيونية بشكل مفصل عظيم أنصح بشدة الاستماع للحلقة وليد خفية عموما، لكن هناك مثال معين في الحلقة استقر في ذهني وتماهى مع مثال مازلت أفكر فيه منذ شهور من قبل المقاطعة حتى. مع دخول المشروبات الغازية إلى السوق المصري تراجعت بشدة صنعة باعة العصير الجائلين (العرقسوس، البوظة) حتى أصبحت المهنة نادرة نوعا ما أو اتخذت شكل الرفاهية في أماكن النزهة للطبقة الوسطى بدلا من لعبها لدور في الحياة اليومية كما كانت تاريخيا. 

 

لست وطنيا مصريا متطرفا رافض للتعامل مع ثقافات أخرى أو استقدام أنماط حياة مختلفة من تلك الثقافات لمصر ولكن هنالك فارق كبير بين تبادل الثقافات والعولمة الثقافية والتجارية. 

 

يظل السؤال الذي لم يستطع أحد إعطائي إجابة شافية عليه، ما الحاجة لوجود ستار باكس أصلا؟

 

لست محبا للقهوة التركية، بالعكس، أنا من أشد الكارهين لها ومحب لشرب اللاتيه (ربما كان ذلك السبب الأول والمفصلي في عدم انضمامي لأي تنظيمات شيوعية طوال حياتي… هذا وتفضيلي للشيشة على السجائر السوبر).

 

يقدم ستار بكس الاختيارين، لننظر لمكونات كلاهما ومصدر المواد الأساسية المكونة لكليهما:

 

حبوب القهوة ومصدرها أي بلد استوائي تزرع نبتة القهوة

بعض البهارات الممزوجة أثناء طحن حبوب القهوة لصنع القهوة التركية

 

وفي حالة اللاتيه إضافة الحليب الموجود في كل بلد بالعالم.

 

ما هو السر العظيم إذا الذي يتطلب وجود مؤسسة في العالم كله وليس في مصر فحسب لديها ميزانية بالمليارات وتأثير في غاية السلبية على المناخ بل وحتى على اقتصاد دول صغيرة تستغل في زراعة المواد التي تحتاجها المؤسسة للتوسع وخفض التكلفة؟

 

 

ليست العولمة التجارية شيئا جديدا على العالم، جزء كبير من دوافع حملات الاستعمار الأوروبية في القرن التاسع عشر والعشرين هو خلق أسواق جديدة بالإضافة إلى سرقة المصادر الطبيعية للأوطان المستعمرة. ما كان يحقق في القرن الماضي بقوة الاستعمار أصبح يتحقق الآن باتفاقيات منظمة التجارة العالمية والخاسر الأكبر بالتأكيد هو الدول الأفقر والأضعف تجاريا.

إذا ما نظرنا إلى الميزان التجاري بين دول الجنوب والشمال المتطورة اقتصاديا فسنجد أن النسبة الاكبر من مدفوعاتنا هي مقابل الملكية الفكرية أو المنتجات النهائية non-commodity trade ومن ضمن تلك الواردات هي العلامات التجارية التي في الحقيقة لا تقدم أي شئ يذكر للمستهلك.

 

فكر كرأسمالي يرغب في التوسع

 

لنعد إلى اللاتيه أو الكابوتشينو، كم سيتكلف عمل وشحن كوب من الكابوتشينو من المقر الرئيسي لستار بكس في سياتل أمريكا إلى شارع مصدق بالدقي؟

وهل يمكن أصلا تغطية احتياجات كل الكوكب من الكابوتشينو عن طريق موقع جغرافي واحد مهما كانت ضخامته؟ بالطبع عمل الكابوتشينو في الدقي أكثر عقلانية حتى لو كانت القهوة أحلى طعما في سياتل

إذا توسعة السوق بتلك الطريقة التقليدية هو أمر مستحيل. فما الأفضل من تأجير علامتك التجارية فقط لا غير؟ دون تقديم أي منتج حقيقي لعدم الجدوى الاقتصادية من تصدير هذا المنتج من بلده الأم وفي نفس الوقت عدم القدرة على إنشاء وإدارة نسخ إقليمية من شركتك حول العالم

 

بيبسي ولا كوكاكولا؟

هناك طبعا أسطورة أن الفرانشايز يأتي بتعليمات صارمة للتصنيع والجودة وبالتالي فوجود ستار بكس مبرر لخبرتهم التاريخية في صنع اللاتيه. والحقيقة أن تلك الأسطورة تنهار عند سفرك إلى بلد آخر لديه نفس المنتجات لتجد أن الفارق بين البلاد واضح، تفضيلات الأفراد للمشروبات الغازية تتغير من بلد لآخر، إذا كنت تفضل البيبسي في مصر فليس بالضرورة أنك ستفضلها على الكوكاكولا في ألمانيا (بشكل شخصي أفضل الفريتز كولا على كليهما). 

 

أسطورة أن جودة المنتج ترتفع بمجرد وجود العلامة التجارية العالمية غير دقيق سوى في حالات نادرة متخصصة، الحفاظ على جودة أي منتجات استهلاكية لا تتحقق بدون عمل جهات الدولة الرقابية ووجود قوانين وتشريعات تجبر المصنع على الحفاظ على صحة المستهلك وإبلاغه بكل المخاطر المرتبطة بالمنتج إن وجدت. 

 

هذه المسئولية تقع على عاتق الدولة ولدينا في مصر قائمة طويلة من الهيئات والأجهزة الرقابية لا تحتاج سوى للتمويل والتشريعات، مثل الهيئة القومية لسلامة الغذاء، هيئة الدواء، جهاز تنظيم الاتصالات، الهيئة العامة للرقابة على الصادرات، وأهمهم في رأيي جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية.

 

نقد النظام الرأسمالي العالمي أمر طويل ومعقد أنا في غنى عن الدخول فيه، لكن حتى الآن لم ينجح أحد في بيع فكرة أهمية العلامات التجارية العالمية لي كمستهلك بعيدا عن كراهيتي للمؤسسات الرأسمالية العابرة للقارات.

 

المقاطعة ليست مجرد فترة عابرة لدعم غزة فلسطين، لكن يجب أن تستمر لتصبح جزءا من حياتنا اليومية كمستهلكين سواء كان ذلك لنصرة فلسطين أو لنصرة الاقتصاد الوطني والأهم في الحقيقة نصرة البيئة لأن الفاتورة البيئية لتلك المؤسسات هي أفظع جرائمهم.